فصل: بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ:

الْكَفَّارَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ؛ لِأَنَّهُ غَطَّى الذَّنْبَ وَسَتَرَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً} الْآيَةَ، فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ: إحْدَاهُنَّ: بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَطَأً. الثَّانِيَةُ: بِقَتْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إيمَانُهُ. الثَّالِثَةُ: بِقَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَهُوَ الذِّمِّيُّ. (تَلْزَمُ) الْكَفَّارَةُ (كَامِلَةً فِي مَالِ قَاتِلٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ) الْقَتْلَ بِأَنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ لِلْآيَةِ وَأُلْحِقَ بِالْخَطَأِ شِبْهُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، بِخِلَافِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ (وَلَوْ كَانَ) الْقَاتِلُ (كَافِرًا أَوْ قِنًّا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا)؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، أَشْبَهَتْ الدِّيَةَ، وَأَيْضًا هِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ (أَوْ إمَامًا فِي خَطَأٍ يَحْمِلُهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ مُشَارِكًا) فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ (قَتْلِ آدَمِيٍّ)، فَوَجَبَ إكْمَالُهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ، (وَسَوَاءٌ قَتَلَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ) كَنَصْبِ سِكِّينٍ تَعَدِّيًا، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِهَا (بَعْدَ مَوْتِهِ)؛ أَيْ: الْمُتَسَبِّبِ (كَشَهَادَةِ زُورٍ، وَحَفْرِ بِئْرٍ تَعَدِّيًا نَفْسًا) مَفْعُولٌ لِقَاتِلِ (مُحَرَّمَةً، وَلَوْ نَفْسَهُ)؛ أَيْ: الْقَاتِلِ (أَوْ) نَفْسَ (قِنِّهِ)؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} (أَوْ) كَانَ الْمَقْتُولُ (مُسْتَأْمَنًا)؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ قُتِلَ ظُلْمًا، أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (أَوْ) كَانَ الْقَتِيلُ (جَنِينًا) بِأَنْ ضَرَبَ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحَرَّمَةٌ، وَلَا كَفَّارَةَ؛ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ لَمْ تَتَصَوَّرْ (غَيْرَ أَسِيرٍ حَرْبِيٍّ يُمْكِنُهُ)؛ أَيْ: الَّذِي أَسَرَهُ (أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، (وَغَيْرَ نِسَاءِ) أَهْلِ (حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ) غَيْرَ (مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ)؛ أَيْ: دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ؛ فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} الْآيَةَ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا أَمَانَ لَهُمْ وَلَا إيمَانَ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ؛ لِلِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ انْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ؛ أَوْ لِعَدَمِ الدَّعْوَةِ؛ وَلِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَضْمُونِينَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ، أَشْبَهُوا مُبَاحَ الدَّمِ.
وَ(لَا) كَفَّارَةَ (عَلَى قَاتِلِ نَفْسٍ مُبَاحَةٍ كَبَاغٍ وَمُرْتَدٍّ، وَزَانٍ مُحْصَنٍ) وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ، وَ(لَا) كَفَّارَةَ فِي (الْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) لِصَوْلِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْذُونِ بِهِ، وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؛ لِلْآيَةِ وَلَا إطْعَامَ فِيهَا. (وَيُكَفِّرُ قِنٌّ بِصَوْمٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ يَعْتِقُ مِنْهُ (وَيُكَفِّرُ مِنْ مَالِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ فِيهِ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ (وَلِيُّهُ) فَيَعْتِقُ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّوْمِ مِنْهُمَا، وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَيُكَفِّرُ سَفِيهٌ كَمُفْلِسٍ بِصَوْمٍ. (وَتَتَعَدَّدُ) الْكَفَّارَةُ (بِتَعَدُّدِ مَقْتُولٍ) كَتَعَدُّدِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ؛ لِقِيَامِ كُلِّ قَتِيلٍ بِنَفْسِهِ، وَعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهِ.
(وَ) تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ (بِتَعَدُّدِ شُرَكَاءَ فِي قَتْلٍ) فَلَوْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ شَخْصًا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، مَضْمُونًا كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ ظُلْمًا، فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُسْلِمِ. (وَتُجْزِئُ) الْكَفَّارَةُ؛ أَيْ. إخْرَاجُهَا (بَعْدَ جُرْحٍ وَقَبْلَ مَوْتٍ) كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا، فَارْتَدَّ، وَمَاتَ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْجُرْحِ (فَعَلَى جَارِحِهِ كَفَّارَةٌ)؛ لِأَنَّهُ حَالَ الْجُرْحِ كَانَ مُسْلِمًا.: وَلَا كَفَّارَةَ فِي قَطْعِ طَرَفٍ كَأَنْفٍ وَيَدٍ، وَلَا فِي قَتْلِ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ. وَقَتْلُ الْخَطَأِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا إبَاحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَقَتْلِ الْمَجْنُونِ، لَكِنَّ النَّفْسَ الذَّاهِبَةَ بِهِ مَعْصُومَةٌ مُحَرَّمَةٌ؛ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا. وَأَكْبَرُ الذُّنُوبِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ثُمَّ الْقَتْلُ ثُمَّ الزِّنَا، لِلْخَبَرِ.

.بَابُ الْقَسَامَةِ:

(الْقَسَامَةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ (وَهِيَ): اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَقْسَمَ إقْسَامًا وَقَسَامَةً.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُمْ الْقَوْمُ يُقْسِمُونَ فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ، سُمُّوا قَسَامَةً بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَعَدْلٍ وَرِضًى، وَشَرْعًا: (أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ) لَا نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ: أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ. انْتَهَى.
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (فَلَا تَكُونُ) الْقَسَامَةُ (فِي) دَعْوَى (قَطْعِ طَرَفٍ وَ) لَا فِي (جُرْحٍ)؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي النَّفْسِ؛ لِحُرْمَتِهَا فَاخْتَصَّتْ بِهَا كَالْكَفَّارَةِ. (وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا عَشَرَةٌ): أَحَدُهَا: (تَكْلِيفُ قَاتِلٍ)؛ أَيْ: مُدَّعًى عَلَيْهِ الْقَتْلَ؛ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (إمْكَانُ قَتْلٍ مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا يُمْكِنْهُ أَنْ يَقْتُلَ كَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ لَمْ تَصِحَّ عَلَيْهِ دَعْوَى، كَبَقِيَّةِ الدَّعَاوَى، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْقَتْلِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ مِنْ بَلَدِ الْمَقْتُولِ لَا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ مِنْهُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ بَطَلَتْ الدَّعْوَى قَالَهُ الشَّارِحُ (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ: (طَلَبُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ)، فَلَا يَكْفِي طَلَبُ بَعْضِهِمْ؛ لِعَدَمِ انْفِرَادِهِ بِالْحَقِّ.
(وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ: (اتِّفَاقُهُمْ) أَيْ: جَمِيعِ الْوَرَثَةِ (عَلَى الدَّعْوَى) لِلْقَتْلِ فَلَا يَكْفِي عَدَمُ تَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، إذْ السَّاكِتُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ حُكْمٌ (وَ) الشَّرْطُ الْخَامِسُ: اتِّفَاقُهُمْ (عَلَى الْقَتْلِ) فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَتْلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلَا قَسَامَةَ.
(وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ: اتِّفَاقُهُمْ (عَلَى عَيْنِ الْقَاتِلِ) نَصًّا، فَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: قَتَلَهُ زَيْدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ عَمْرٌو؛ فَلَا قَسَامَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقْتُلْهُ زَيْدٌ، عَدْلًا كَانَ الْمُكَذِّبُ أَوْ فَاسِقًا؛ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِتَبْرِئَةِ زَيْدٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ: قَتَلَهُ زَيْدٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَعْلَمُ قَاتِلَهُ؛ فَلَا قَسَامَةَ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي الْأَيْمَانِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى.
(وَ) الشَّرْطُ السَّابِعُ: (وَصْفُ الْقَتْلِ)؛ أَيْ: أَنْ يَصِفَهُ الْمُدَّعِي (فِي الدَّعْوَى) كَأَنْ يَقُولَ جَرَحَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ وَنَحْوِهِ فِي مَحَلِّ كَذَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِنَحْوِ لُتٍّ فِي رَأْسِهِ وَنَحْوِهِ (فَلَا يُعْتَدُّ بِحَلِفٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: قَبْلَ وَصْفِ مُدَّعِي الْقَتْلِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى.
(وَ) الشَّرْطُ (الثَّامِنُ: اللَّوْثُ وَهُوَ: الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ وُجِدَ مَعَهَا)؛ أَيْ: الْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ (أَثَرُ قَتْلٍ) كَدَمٍ فِي أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ (أَوْ لَا لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ) كَضَمِّ الْوَجْهِ وَالْخَنْقِ وَعَصْرِ الْخُصْيَتَيْنِ،؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ هَلْ بِقَتِيلِهِمْ أَثَرٌ أَوْ لَا؟ (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَدَاوَةُ (مَعَ سَيِّدِ مَقْتُولٍ)؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدَمِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فِي ذَلِكَ كَالْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مَعْصُومَةٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ، وَالْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ (نَحْوَ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ)، وَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ وَمَا بَيْنَ الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ، وَمَا بَيْنَ الشُّرْطَةِ كَفِرْقَةٍ وَاللُّصُوصِ.
(وَ) كَذَلِكَ (أَهْلُ الْقُرَى) مِنْ أَعْمَالِ نَابُلُسَ وَالْخَلِيلِ وَنَحْوِهِمْ (بَيْنَهُمْ الدِّمَاءُ وَالْحُرُوبُ) وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَ اللَّوْثِ أَنْ لَا يَكُونَ بِمَوْضِعِ الْقَتْلِ غَيْرُ الْعَدُوِّ نَصًّا , «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ هَلْ كَانَ بِخَيْبَرَ غَيْرُ الْيَهُودِ أَوْ لَا» مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمْلَاكًا لِلْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُونَهَا؛ لِاسْتِغْلَالِهَا.
تَنْبِيهٌ:
سَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ قَتِيلٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ قَالَ: هَذَا قَسَامَةٌ، قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: احْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الْحَيِيَّيْنِ قَالَ: أَيُّهُمَا كَانَ أَقْرَبَ فَخُذْهُمْ بِهِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُرِعَ مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إلَى إحْدَاهُمَا أَقْرَبُ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَلْقِهِ عَلَى أَقْرَبِهِمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. (وَلَيْسَ مُغَلِّبٌ) اسْمُ فَاعِلٍ (عَلَى الظَّنِّ؛ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى)؛ أَيْ: دَعْوَى الْقَتْلِ (بِلَوْثِ تَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ وَوُجُودِهِ)؛ أَيْ: الْقَتِيلِ (عِنْدَ مَنْ مَعَهُ مُحَدَّدٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِمْ قَتْلٌ كَصِبْيَانٍ وَنِسَاءٍ) وَأَهْلِ فِسْقٍ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ بِلَوْثٍ لَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَفَسَقَةٌ، أَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ، أَوْ شَهِدَا أَنْ الْقَتِيلَ قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ): إنَّهُ قَتَلَهُ (بِسِكِّينٍ)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» الْخَبَرَ وَقَوْلُ الْقَتِيلِ: فُلَانُ قَتَلَنِي لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِلْخَبَرِ (كَقَوْلِ مَجْرُوحٍ: فُلَانٌ جَرَحَنِي) وَأَمَّا قَوْلُ بَنْيِ إسْرَائِيلَ: فُلَانٌ قَتَلَنِي، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قَسَامَةٌ؛ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَاتِهِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُمَّ ذَلِكَ فِي تَبْرِئَةِ الْمُتَّهَمِينَ، فَلَا يَجُوزُ تَعْدِيَتُهُ إلَى تُهْمَةِ الْبَرِيئِينَ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ الْعَدَاوَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ مَعَ الْعَدَاوَةِ بِقَضِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ. وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْمَظِنَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِتَعَدُّدِ سَبَبِهِ، وَالْقِيَاسُ فِي الْمَظَانِّ جَمْعٌ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ وَغَلَبَةِ الظُّنُونِ، وَالْحُكْمِ بِالظُّنُونِ يَخْتَلِفُ وَلَا يَأْتَلِفُ، وَيَتَخَبَّطُ وَلَا يَنْضَبِطُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ؛ فَلَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا وَلَا تَعْدِيَتُهُ بِتَعَدِّيهَا؛ وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي التَّعْدِيَةِ. وَالْقِيَاسُ التَّسَاوِي بَيْنَ الظَّنَّيْنِ؛ لِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالَاتِ وَتَرَدُّدِهَا، وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. (وَمَتَى فُقِدَ) اللَّوْثُ (وَلَيْسَتْ الدَّعْوَى بـِ) قَتْلٍ (عَمْدٍ)؛ بِأَنْ كَانَتْ بِخَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ (حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً) وَبَرِئَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَلَا يَمِينَ فِي) دَعْوَى قَتْلِ (عَمْدٍ) مَعَ فَقْدِ لَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (فَيُخَلَّى سَبِيلُهُ)؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ عَمْدًا حَيْثُ أَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ قَالَ الْخِرَقِيِّ: وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ (وَعَلَى رِوَايَةٍ قَوِيَّةٍ يَحْلِفُ) يَمِينًا وَاحِدَةً قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهِيَ الْأُولَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقَوْلُ بِالْحَلِفِ هُوَ الْحَقُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا (فـَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (لَوْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الدِّيَةِ) احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ. الشَّرْطُ التَّاسِعُ: كَوْنُهُ فِي الْوَرَثَةِ ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ , «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ». وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ بِهَا قَتْلُ الْعَمْدِ فَلَمْ تُسْمَعْ مِنْ النِّسَاءِ كَالشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْمُدَّعَاةَ الَّتِي تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا هِيَ الْقَتْلُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي إثْبَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الدِّيَةُ ضِمْنًا، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى رَجُلٍ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَوْتِهَا لِيَرِثَهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْمَالَ (وَلَا يَقْدَحُ غَيْبَةُ بَعْضِهِمْ)؛ أَيْ: بَعْضِ الْوَرَثَةِ (وَلَا عَدَمُ تَكْلِيفِهِ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا.
(وَ) لَا يُقَدَّمُ (نُكُولُهُ)؛ أَيْ: نُكُولُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ؛ فَقِيَامُ الْمَانِعِ بِصَاحِبِهِ لَا يَمْنَعُ حَلِفَهُ وَاسْتِحْقَاقَ نَصِيبِهِ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (فَلِذَكَرٍ حَاضِرٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْلِفَ بِقِسْطِهِ) مِنْ الْأَيْمَانِ (وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الدِّيَةِ نَصِيبَهُ) كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ حَاضِرِينَ مُكَلَّفِينَ. (وَلِمَنْ قَدِمَ) مِنْ الْغَائِبِينَ (أَوْ كُلِّفَ) مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ بِأَنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَقَلَ الْمَجْنُونُ (أَنْ يَحْلِفَ بِقِسْطِ نَصِيبِهِ) مِنْ الْأَيْمَانِ (وَيَأْخُذَهُ)؛ أَيْ: نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِبِنَائِهِ عَلَى أَيْمَانِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا مُكَلَّفًا ابْتِدَاءً. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (: لِلْأَوْلِيَاءِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ) أَنْ زَيْدًا قَتَلَهُ (الْحَلِفُ) عَلَى ذَلِكَ، (وَلَوْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ مَكَانِ الْقَتْلِ)؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُقَارِبُ الْيَقِينَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَالْقَتِيلُ بِخَيْبَرَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَلَهُ)؛ أَيْ: مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ قَضِيَّةٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِخَبَرٍ مَنْ)؛ أَيْ: ثِقَةٍ (ظَنَّ صِدْقَهُ) فِيهِ بِصِحَّةِ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ كَمَا لَوْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ سَكَتَ (وَاحْتَمَلَ) صِدْقُهُ كَكَوْنِ الْمُقِرِّ بِأُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ يَحْتَمِلُ سِنُّهُ ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَبِيٍّ هَذَا ابْنِي جَازَ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِذَا سَمِعَ الصَّبِيُّ يَقُولُ: هَذَا أَبِي وَالرَّجُلُ يَسْمَعُهُ، فَسَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ الشَّهَادَةَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ مَقَامَ النُّطْقِ؛ لِأَنَّهُ الْإِقْرَارُ عَلَى الِانْتِسَابِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَبِ إقْرَارٌ، وَالْإِقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ، فَجَازَتْ، الْفَاسِدُ لَا يَجُوزُ؛ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى، (وَلَوْ) كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ (الْمُدَّعِيَ)؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَيْثُ أَمْكَنَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحَيْثُ كَانَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ (فَمَنْ اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا، فَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهِ فَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْحَلِفُ أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ (مِلْكُ الَّذِي بَاعَهُ) لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ شَيْئًا بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ أَبِيهِ فِي دَفْتَرِهِ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ إذَا عَلِمَ مِنْهُ الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا. الشَّرْطُ (الْعَاشِرُ: كَوْنُ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ لَا أَكْثَرَ، مُعَيَّنٍ لَا مُبْهَمٍ) , «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْأَنْصَارِيِّ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ»؛ وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ ضَعِيفَةٌ خُولِفَ فِي قَتْلِ الْوَاحِدِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا عَدَاهُ. وَبَيَانُ مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِهَا أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِاللَّوْثِ شُبْهَةٌ مُغَلِّبَةٌ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَوْ قَالُوا)؛ أَيْ: وَرَثَةُ الْقَتِيلِ (قَتَلَهُ هَذَا مَعَ آخَرَ) فَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ؛ (أَوْ) قَالُوا: قَتَلَهُ (أَحَدُهُمَا فَلَا قَسَامَةَ)؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ. (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا)؛ أَيْ: كَوْنُ الْقَسَامَةِ (بِقَتْلٍ عَمْدٍ)؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهَا الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ (وَيَجُوزُ الْقَوَدُ فِيهَا)؛ أَيْ: فِي الْقَسَامَةِ (إذَا تَمَّتْ الشُّرُوطُ) الْعَشَرَةُ وَشُرُوطُ الْقَوَدِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ». وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «وَيُسَلَّمُ إلَيْكُمْ» وَالرُّمَّةُ: الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ فَيَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ كَالْبَيِّنَةِ، قَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَادَ فِي الْقَسَامَةِ فِي الطَّائِفِ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ.

.فَصْلٌ: [بِمَنْ يُبْدَأُ في الْقَسَامَةِ]:

(وَيُبْدَأُ فِيهَا)؛ أَيْ: الْقَسَامَةِ (بِأَيْمَانِ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ)، أَيْ: الْقَتِيلِ (الْوَارِثِينَ) بَدَلٌ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ أَيْ: بِذُكُورِ الْوَارِثِينَ عُدُولًا كَانُوا أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَ(لَا) يُبْدَأُ بِأَيْمَانِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ: فَلَا يَمْلِكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا الَّذِي أَحْلِفُ مَعَ وُجُودِ ذَكَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ وَمَعَ وُجُودِ شَرْطِ الْقَسَامَةِ؛ لِقِيَامِ أَيْمَانِهِمْ مَقَامَ بَيِّنَتِهِمْ هُنَا خَاصَّةً؛ لِلْخَبَرِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَصَبَةَ غَيْرَ الْوَارِثِ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ، لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا مِنْ الدَّمِ. وَلَا تَخْتَصُّ الْقَسَامَةُ بِالْعَصَبَةِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ، بَلْ بِذُكُورِ الْوَرَثَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
تَنْبِيهٌ:
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ، وَغَلَبَةِ ظَنٍّ تُقَارِبُ الْيَقِينِ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعِظَهُمْ وَيَقُولَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاسْبُتُوا، وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ: ( {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}) الْآيَةَ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ مِنْ الْإِثْمِ وَإِنَّهَا تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ ثَبَتَ تَبَعًا لِلْمِيرَاثِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ كَالْمَالِ (وَيُكْمِلُ الْكَسْرَ كَابْنٍ وَزَوْجَةٍ) قَتِيلَةٍ (فَيَحْلِفُ الِابْنُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ وَ) يَحْلِفُ (الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) يَمِينًا؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّبُعَ، وَهُوَ مِنْ الْخَمْسِينَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ، فَيُكْمِلُ؛ (فَتَصِيرُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ) وَلِلِابْنِ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ، فَيُكْمِلُ؛ فَتَصِيرُ كَمَا ذَكَرَ. (فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا)؛ أَيْ: الزَّوْجِ وَالِابْنِ (بِنْتٌ حَلَفَ زَوْجٌ سَبْعَ عَشَرَةَ) يَمِينًا (وَ) حَلَفَ (ابْنٌ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ) لِأَنَّ حِصَّةَ الْبِنْتِ وَهِيَ الرُّبْعُ تُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالِابْنِ بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا، فَتُقَسَّمُ الْخَمْسُونَ بَيْنَ الِابْنِ وَالزَّوْجِ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَمَسَائِلِ الرَّدِّ وَيَكْمُلُ الْكَسْرُ. (وَإِنْ كَانُوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (ثَلَاثَةَ بَنِينَ) فَقَطْ أَوْ مَعَ بَنَاتٍ وَزَوْجَةٍ (حَلَفَ كُلُّ) ابْنٍ مِنْهُمْ (سَبْعَةَ عَشَرَةَ) يَمِينًا لِيُكْمِلَ الْكَسْرَ. (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ مُسْتَحِقِّ الْقَسَامَةِ (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فَيَحْلِفُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلْقَسَامَةِ، قُسِّمَ نَصِيبُهُ فِي الْأَيْمَانِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ؛ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ، فَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ ثَلَاثَةُ بَنِينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ قُسِّمَتْ أَيْمَانُهُ بَيْنَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَيْمَانٍ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ، بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَحَلِفِهِ بَعْضَهَا اسْتَأْنَفَهَا وَرَثَتُهُ وَلَا يَبْنُونَ عَلَى أَيْمَانِهِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ جَرَتْ مَجْرَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ، فَلَا تَتَبَعَّضُ. وَإِنْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ، ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ تَشَاغَلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي أَثْنَائِهَا تَمَّمَ الْأَيْمَانَ، وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ؛ وَكَذَا إنْ عُزِلَ الْحَاكِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ أَتَمَّهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ الثَّانِي، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَسَامَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ سَأَلَ الْحَالِفُ الْحَاكِمَ فِي أَثْنَائِهَا إنْظَارَهُ، فَأَنْظَرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ إتْمَامَهَا؛ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا سَبَقَ. (وَإِنْ انْفَرَدَ ذَكَرٌ وَاحِدٌ بِالْإِرْثِ) أَوْ انْفَرَدَ بِمِلْكِ الْقِنِّ أَوْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ (حَلَفَهَا)؛ أَيْ: الْخَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِاعْتِبَارِ عَدَدِهَا كَنِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ خَمْسِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً تَعْدِيلًا بَيْنَهُمْ (وَإِنْ جَاوَزُوا)؛ أَيْ: ذُكُورُ الْوَرَثَةِ (خَمْسِينَ) رَجُلًا (حَلَفَ) مِنْهُمْ (خَمْسُونَ) رَجُلًا بِاخْتِيَارِهِمْ (كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا) وَاحِدَةً، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ» وَإِنْ تَشَاحُّوا حَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ بِقُرْعَةٍ.
فَائِدَةٌ:
وَيُقْسِمُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ سَيِّدُهُ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ وَارِثِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا كَالْقِنِّ، يُقْسِمُ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ. وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَيُقْسِمُ عَلَيْهِ وَارِثُهُ وَسَيِّدُهُ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْجَانِي؛ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ؛ لِعَوْدِهِ إلَيْهِ هُوَ وَمَا كَانَ بِيَدِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ عَبْدًا أَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا، فَقُتِلَ؛ فَالْقَسَامَةُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسَاءٍ فَكَمَا لَوْ كَانَ وَرَثَةٌ لِحُرٍّ كُلُّهُمْ نِسَاءٌ، وَيَأْتِي (وَيُعْتَبَرُ لَحَلِفٍ حُضُورُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَقْتَهُ)؛ أَيْ: وَقْتَ الْحَلِفِ (كَبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْقَتْلِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ كُلٍّ مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ.
وَ(لَا) يُعْتَبَرُ فِيهَا (مُوَالَاةُ الْأَيْمَانِ وَلَا كَوْنُهَا فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ، فَلَوْ جِيءَ بِهَا فِي مَجَالِسَ أَجْزَأَتْهُ كَمَا لَوْ أَتَى مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ بِشَاهِدٍ (وَمَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ) مِنْ الْوَرَثَةِ (فَالْحَقُّ) الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ (حَتَّى فِي) قَتْلِ (عَمْدٍ لِلْجَمِيعِ)؛ أَيْ: جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ذُكُورٍ أَوْ نِسَاءٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمَيِّتِ فَصَارَ لِوَرَثَتِهِ كَالدَّيْنِ. وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ عَالِمُ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، لَقَدْ قَتَلَ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ فُلَانًا ابْنِي أَوْ أَخِي أَوْ نَحْوَهُ مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ، مَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً بِسَيْفٍ أَوْ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنْ اقْتَصَرَ الْحَالِفُ عَلَى لَفْظَةِ وَاَللَّهِ كَفَّرَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ تَغْلِيظٌ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَكُونُ نَاكِلًا بِتَرْكِهِ، وَيَكُونُ لَفْظُ الْجَلَالَةِ بِالْجَرِّ، فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهُ مَضْمُومًا أَوْ مَنْصُوبًا أَجْزَأَهُ.
قَالَ الْقَاضِي: تَعَمَّدَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ؛ لِأَنَّهُ لَحْنٌ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَبِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ حَلَفَ إذَا كَانَ إطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ نَكَلُوا)؛ أَيْ: ذُكُورُ الْوَرَثَةِ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ (أَوْ كَانُوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ (كُلُّهُمْ خَنَاثَى أَوْ نِسَاءٌ؛ حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ كَ) قَوْلِهِ وَاَللَّهِ: مَا قَتَلْتُهُ وَلَا شَارَكْتُ فِي قَتْلِهِ وَلَا فَعَلْتُ شَيْئًا (مَاتَ مِنْهُ) وَلَا كَانَ سَبَبًا فِي مَوْتِهِ وَلَا مُعِينًا عَلَى مَوْتِهِ، وَيَبْرَأُ إنْ رَضُوا بِأَيْمَانِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» أَيْ: يَبْرَءُونَ مِنْكُمْ وَفِي لَفْظٍ: فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ (إنْ رَضُوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ بِأَيْمَانِهِ؛ أَيْ: أَيْمَانِ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُحَلِّفْ الْيَهُودَ حِينَ قَالَ الْأَنْصَارُ: كَيْف تَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ. (فَإِنْ نَكَلَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا (لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالنُّكُولِ؛ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي؛ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ؛ بَلْ يُقَالُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إمَّا أَنْ تَحْلِفَ؛ أَوْ جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُولِ. (وَإِنْ نَكَلُوا)؛ أَيْ: الْوَرَثَةُ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ (وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِهِ)؛ أَيْ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَدَى الْإِمَامُ الْقَتِيلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَخَلَّى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَدَى الْأَنْصَارِيَّ مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا لَمْ تَرْضَ الْأَنْصَارُ بِيَمِينِ الْيَهُودِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى الثُّبُوتِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ؛ فَوَجَبَ الْغُرْمُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِئَلَّا يَضِيعَ الْمَعْصُومُ هَدَرًا (كَمَيِّتٍ فِي زَحْمَةٍ نَحْوِ جُمُعَةٍ وَطَوَافٍ) فَيُفْدَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَمِنْهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ قُتِلَ رَجُلٌ فِي زِحَامِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَجَاءَ أَهْلُهُ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: بَيِّنَتَكُمْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ: فَقَالَ عَلِيٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَا تُبْطِلْ دَمَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إنْ عَلِمْتَ قَاتِلَهُ، وَإِلَّا فَأَعْطِ دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلٌ وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: هُنَاكَ فِي مَحَلِّ الْقَتْلِ فِي الزَّحْمَةِ (مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ)؛ أَيْ: الْقَتِيلِ (عَدَاوَةٌ أُخِذَ بِهِ) نَقَلَهُ مُهَنَّا وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا بِقَسَامَةٍ وَدُونِهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتِيلِ (أَيْ:) إنْ أَتَى الْمُدَّعِي (بِالْقَسَامَةِ) وَهِيَ حَلِفُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا (بِشُرُوطِهَا) الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَإِلَّا) تُشْتَرَطْ الْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ (فـَ) أَخْذُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتِيلِ (ضَعِيفٌ).
قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْمٍ ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ وَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتَلَهُ؛ فَهُوَ لَوْثٌ، انْتَهَى.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.كِتَابُ الْحُدُودِ:

(الْحُدُودُ) وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ، وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَ مَحَارِمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} وَهِيَ مَا حَدَّهُ وَقَدَّرَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتَعَدَّى كَتَزَوُّجِ الْأَرْبَعِ، وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَلَا النُّقْصَانُ وَالْحُدُودُ وَالْعُقُوبَاتُ الْمُقَدَّرَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، وَأَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمَحَارِمُ؛ لِكَوْنِهَا زَوَاجِرَ عَنْهَا، أَوْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمُقَدَّرَاتُ. وَالْحَدُّ عُرْفًا (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فِي مَعْصِيَةٍ) مِنْ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَسَرِقَةٍ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الْحَدُّ (لِيَمْنَعَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهَا)؛ أَيْ: الْمَعْصِيَةِ. (وَلَا يَجِبُ حَدٌّ) إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ إذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْإِثْمُ فِي الْمَعَاصِي؛ فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ أَوْلَى، وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى نَائِمٍ وَنَائِمَةٍ (عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ: لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَهُ كَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ كَأَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ، وَطِئَهَا ظَنًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَنَحْوُهُ، لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (مُلْتَزِمٍ) أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ (كَذِمِّيٍّ لَا) حَرْبِيٍّ مُعَاهِدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَتَقَدَّمَ فِي هُدْنَةٍ يُؤْخَذُ مُهَادَنٌ بِحَدٍّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لَا بِحَدٍّ لِلَّهِ كَزِنًا. (وَإِقَامَتُهُ)؛ أَيْ: الْحَدِّ (لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ مُطْلَقًا): أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ لِلَّهِ كَحَدِّ زِنًا أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ؛ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَيَقُومُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِيهِ مَقَامَهُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا». وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَقَالَ فِي سَارِقٍ أُتِيَ بِهِ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ». (وَتَحْرُمُ شَفَاعَةٌ) فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ، (وَ) يَحْرُمُ (قَبُولُهَا)؛ أَيْ: الشَّفَاعَةِ فِي (حَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْحَاكِمَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» وَلِأَنَّ الشَّفَاعَةَ طَلَبُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى مَنْ طَلَبَهُ مِنْهُ. (وَلِسَيِّدٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ)؛ أَيْ: الْحَدِّ (وَبِشُرُوطِهِ، وَلَوْ) كَانَ، السَّيِّدُ (فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً إقَامَتُهُ)؛ أَيْ: الْحَدَّ (بِجَلْدِ خَاصَّتِهِ) عَلَى رَقِيقِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
(وَ) لِلسَّيِّدِ (إقَامَةُ تَعْزِيرٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلِّهِ) لَا مُبَعِّضٍ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تَأْدِيبَ رَقِيقِهِ وَضَرَبَهُ عَلَى الذَّنْبِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِهِ، وَلِكَوْنِ سَبَبِ وِلَايَتِهِ الْمِلْكَ، اسْتَوَى الْعَدْلُ وَالذَّكَرُ فِيهِ وَضِدُّهُمَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمُكَاتَبٍ وَلَا شَرِيكٍ فِي قِنٍّ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ، وَلَا لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ، لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ، (وَ) لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ (مُكَاتَبًا) عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ وَيَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مُطْلَقًا عَلَى قِنٍّ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ إنَّهُ هُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا)؛ أَيْ: فَلِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ. (وَلَا) يُقِيمُهُ سَيِّدٌ عَلَى أَمَةٍ (مُزَوَّجَةٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُزَوَّجَةً رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ جَلَدَهَا سَيِّدُهَا نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ، أَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ (وَمَا ثَبَتَ) مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقٍ (بِعِلْمِ سَيِّدٍ لَا حَاكِمٍ) بِرُؤْيَةٍ (أَوْ بِإِقْرَارِ) رَقِيقٍ (كـَ) كَالثَّابِتِ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّأْدِيبِ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ. وَلِلسَّيِّدِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا عَلِمَ شُرُوطَهَا. (وَلَيْسَ لَهُ)؛ أَيْ: السَّيِّدِ (قَتْلٌ فِي رِدَّةٍ وَلَا قَطْعٌ فِي سَرِقَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ تَفْوِيضُ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَى الْإِمَامِ وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَى السَّيِّدِ الْجَلْدُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ. وَالْحَدِيثُ جَاءَ فِي جَارِيَةٍ زَنَتْ؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ الْحَدَّ وَشِبْهَهُ، وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سِتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ، لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ عَلَيْهِ، فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا. (وَتَجِبُ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ)؛ أَيْ: الْحَدَّ (شَرِيكًا) لِمُقَامٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ (أَوْ) كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ (عَوْنًا لِمُقَامٍ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ)، لِأَنَّ مُشَارَكَتَهُ أَوْ إعَانَتَهُ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَعَدَمَ إقَامَتِهِ مَعْصِيَةٌ؛ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ (وَكَذَا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ) لَا يَسْقُطُ بِالْمُشَارَكَةِ أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى (فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ بَلْ يَجِبُ الْإِقْلَاعُ عَنْهُمَا). (وَتَحْرُمُ إقَامَتُهُ)؛ أَيْ: الْحَدِّ (بِمَسْجِدٍ) جَلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ». وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ زَنَى فَقَالَ؛ أَخْرِجُوهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَاضْرِبُوهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَطَعَ يَدَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ، فَيُنَجِّسَهُ وَيُؤْذِيَهُ، فَإِنْ أُقِيمَ بِهِ لَمْ يَعُدْ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الزَّجْرِ.
(وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يُقِيمَهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ بِعِلْمِهِ)؛ أَيْ: بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكَلُّمُ بِهِ؛ فَالْعَمَلُ أَوْلَى حَتَّى وَلَوْ رَمَاهُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْهُ كَانَ قَاذِفًا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ (وَصِيٌّ عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ (كَأَجْنَبِيٍّ) فَلَا يُقِيمُهُ عَلَى رَقِيقِ غَيْرِهِ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ) أَقَامَ حَدًّا عَلَى مَنْ (لَا لَهُ إقَامَتُهُ) عَلَيْهِ (فِيمَا حَدُّهُ الْإِتْلَافُ) مِنْ عُضْوٍ أَوْ نَفْسٍ كَقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ. (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ) الْحَدَّ (قَائِمًا) لِيُعْطَى كُلُّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ (بِسَوْطٍ لَا خَلَقٍ) نَصًّا (بِفَتْحِ اللَّامِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ (وَلَا جَدِيدٍ) لِئَلَّا يَجْرَحَ (غَيْرَ جِلْدٍ) بَيْنَ الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ، (قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا) وَلَا يُضْرَبُ فِي الْحَدِّ بِعَصًا وَلَا غَيْرِهَا مِنْ جِلْدٍ أَوْ نَحْوِهِ، نَقُولُ: عَلَى ضَرْبٍ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ، وَسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ يَعْنِي لَا شَدِيدٍ فَيَقْتُلَ، وَلَا ضَعِيفٍ فَلَا يَرْدَعُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا: «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأَتَى بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ: بَيْنَ هَذَيْنِ» (بِلَا مَدٍّ وَلَا رَبْطٍ وَلَا تَجْرِيدٍ) مِنْ ثَبَاتٍ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ (لِلْمَحْدُودِ) وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِعْلُ ذَلِكَ (بَلْ) يَكُونُ الْمَحْدُودُ (فِي قَمِيصٍ أَوْ قَمِيصَيْنِ) وَيُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوٌ وَجُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ. (وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبٍ) بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ أَدَبُهُ لَا إهْلَاكُهُ. (وَلَا يُبْدِي ضَارِبٌ إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدٍ) لِلضَّرْبِ نَصًّا (وَسُنَّ تَفْرِيقُهُ)؛ أَيْ: الضَّرْبِ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ حَظَّهُ، وَتَوَالِي الضَّرْبِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ. (وَيُضْرَبُ مِنْ جَالِسٍ ظَهْرُهُ وَمَا قَارَبَهُ)؛ أَيْ: الظَّهْرَ (وَ) وَيُكْثَرُ مِنْهُ (فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَشَدُّ تَحَمُّلًا، (وَ) يَجِبُ فِي الْجَلْدِ (اتِّقَاءُ وَجْهٍ وَ) اتِّقَاءُ (رَأْسٍ وَ) اتِّقَاءُ (فَرْجٍ وَ) اتِّقَاءُ (مَقْتَلٍ) كَفُؤَادٍ وَخُصْيَتَيْنِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ضَرْبُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى قَتْلِهِ أَوْ ذَهَابِ مَنْفَعَتِهِ، وَالْقَصْدُ أَدَبُهُ فَقَطْ (وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ إلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَهَذَا سَتْرٌ لَهَا وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، (وَتُمْسَكُ يَدَاهَا) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ. (وَيُجْزِئُ ضَرْبٌ فِي حَدٍّ بِسَوْطٍ مَغْصُوبٍ) عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ؛ لِلْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ (وَلَا تُعْتَبَرُ) لِإِقَامَةِ حَدٍّ (مُوَالَاةُ) الضَّرْبِ فِي الْجَلْدِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَالسُّقُوطِ بِالشُّبْهَةِ، (بَلْ) تُعْتَبَرُ (نِيَّةٌ لِيَصِيرَ قُرْبَةً، فَيَضْرِبُهُ لِلَّهِ، وَلَمَّا وَضَعَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَإِنَّ جَلْدَهُ لِلتَّشَفِّي إثْمٌ) لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ (وَلَا يُعِيدُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَحْدُودِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى (وَفِي نُسَخِ الْإِنْصَافِ وَالْفُرُوعِ وَيُعِيدُهُ) ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي (وَهُوَ أَنْسَبُ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ).
قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُحْتَاجُ عِنْدَ إقَامَتِهِ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَ لِلَّهِ وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْجَلَّادُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَوَلَّى أَوْ أَمَرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ؛ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَى الْمُقِيمِ لِلْحُدُودِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا النَّفْعَ وَالْإِحْسَانَ، كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ بِعُقُوبَةِ الْوَلَدِ وَالطَّبِيبُ بِدَوَاءِ الْمَرِيضِ، فَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ إلَّا بِمَا هُوَ نَفْعٌ لِلْعِبَادِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ (وَأَشَدُّهُ)؛ أَيْ: [الْجَلْدِ] فِي الْحُدُودِ (جَلْدُ زِنًا فَ) جَلْدُ (قَذْفٍ فَ) جَلْدُ (شُرْبِ) خَمْرٍ (فـَ) جَلْدُ (تَعْزِيرٍ) لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَيَكُونُ فِي الصِّفَةِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْعَدَدِ فَكَذَا فِي الصِّفَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا خَفَّ عَدَدُهُ خَفَّ فِي صِفَتِهِ. (وَإِنْ رَأَى إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ شُرْبِ) مُسْكِرٍ (بِجَرِيدٍ أَوْ بِنِعَالٍ) فَلَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ جَمْعٌ: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ وَبِأَيْدٍ، أَيْضًا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ الشَّارِحُ بِذَلِكَ (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ: اضْرِبُوهُ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ وَالضَّارِبُ بِيَدِهِ. (وَلَا يُؤَخَّرُ) اسْتِيفَاءُ (حَدٍّ لِمَرَضٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَلَوْ رُجِيَ زَوَالُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ، وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (وَلَا تُؤَخَّرُ النُّفَسَاءُ فَتُحَدُّ) النُّفَسَاءُ (بِمُجَرَّدِ وَضْعٍ) (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ؛ أَيْ: الْحَدُّ جَلْدًا، فَإِذَا وَضَعَتْهُ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ، وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا؛ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ عَلَيْهَا، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَحَتَّى تَقْوَى. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي تَقْتَضِيهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخَّرُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ. (وَلَا) يُؤَخَّرُ الِاسْتِيفَاءُ (لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) وَلَوْ مُفْرِطَيْنِ (أَوْ ضَعْفٍ لِوُجُوبِهِ فَوْرًا) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَ) الْمَحْدُودُ مَرِيضًا أَوْ نَصَفَ الْخِلْقَةِ أَوْ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ كَانَ الْحَدُّ (جَلْدًا، أَوْ خِيفَ) عَلَى الْمَحْدُودِ: (مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِطَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ عُثْكُولِ نَخْلٍ) وَالْعُثْكُولُ بِوَزْنِ عُصْفُورٍ هُوَ الضِّغْثُ بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، فَيَضْرِبُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً) أَوْ يَضْرِبُ بِخَمْسِينَ شِمْرَاخًا ضَرْبَتَيْنِ. لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا اشْتَكَى حَتَّى ضَنِيَ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَهَشَّ لَهَا، فَوَقَعَ بِهَا، فَسُئِلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْ يَأْخُذُوا مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَلِأَنَّ ضَرْبَهُ التَّامَّ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ، وَتَرْكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ فَتَعَيَّنَ مَا ذُكِرَ.
تَتِمَّةٌ:
وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ رَجْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى حَامِلٍ وَلَوْ مِنْ زِنًا حَتَّى تَضَعَ؛ لِئَلَّا يَتَعَدَّى إلَى الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ تَكَفَّلَ أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ، رُجِمَتْ، وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُ الزَّانِيَةِ لَمْ تُؤَخَّرْ، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبَةٌ فَوْرًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ- أَيْ الْحَمْلِ- وَإِنْ ادَّعَتْ الزَّانِيَةُ الْحَمْلَ قَبْلَ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. (وَيُؤَخَّرُ) الْحَدُّ (لِسُكْرٍ حَتَّى يَصْحُوَ) الشَّارِبُ نَصًّا لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ وَهُوَ الزَّجْرُ (فَلَوْ خَالَفَ) وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فِي سُكْرِهِ (سَقَطَ الْحَدُّ إنْ أَحَسَّ) بِأَلَمِ الضَّرْبِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ (وَإِلَّا) يُحِسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ (فَلَا) يَسْقُطُ الْحَدُّ (لِأَنَّ كُلَّ حَدٍّ شَرْطُهُ التَّأْلِيمُ) وَلَمْ يُوجَدْ (وَيُؤَخَّرُ قَطْعٌ) فِي سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (خَوْفَ تَلَفٍ) مَحْدُودٍ بِقَطْعِهِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَصْدَ زَجْرُهُ لَا إهْلَاكُهُ. (وَيَحْرُمُ بَعْدَ) إقَامَةِ (حَدٍّ حَبْسٌ وَإِيذَاءٌ بِكَلَامٍ) نَصَّ عَلَيْهِ كَالتَّعْيِيرِ؛ لِنَسْخِهِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْحَدِّ كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ. (وَمَنْ مَاتَ) بِجَلْدٍ (فِي تَعْزِيرٍ أَوْ حَدٍّ بِقَطْعٍ) فِي سَرِقَةٍ (أَوْ جَلْدٍ) أَوْ تَأْدِيبٍ مُعْتَادٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ زَوْجٍ (وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَأْخِيرٌ)، أَيْ: الْحَدِّ (فـَ) هُوَ (هَدَرٌ) لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَانَ التَّلَفُ مَنْسُوبٌ إلَى اللَّهِ، فَإِنْ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْحَدِّ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ كَانَ مَرِيضًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، فَاسْتَوْفَاهُ حِينَئِذٍ، (فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ) ضَمِنَهُ، لِعِدْوَانِهِ. (وَمَنْ زَادَ) فِي عَدَدِ جَلْدٍ (وَلَوْ) كَانَ الزَّائِدُ (جَلْدَةً أَوْ) زَادَ (فِي السَّوْطِ) الَّذِي ضَرَبَهُ بِهِ؛ بِأَنْ ضَرَبَهُ بِأَكْبَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَوْ اعْتَمَدَ) الْجَلَّادُ (فِي ضَرْبِهِ) فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ، ضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ، (أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ) لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِعُدْوَانِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ الْحَدِّ (بِدِيَتِهِ) كَامِلَةٍ؛ لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِعُدْوَانِهِ، وَكَمَا لَوْ أَلْقَى حَجَرًا أَوْ نَحْوَهُ عَلَى سَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ فَخَرَقَهَا. (وَمَنْ أُمِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِزِيَادَةٍ) عَلَى الْجَلْدِ الْوَاجِبِ فِي الْحَدِّ (فَزَادَ جَهْلًا) بِعَدَدِ الضَّرْبِ الْوَاجِبِ أَوْ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مُحَرَّمَةٌ، فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ (ضَمِنَهُ آمِرٌ) لِأَنَّ الْجَلَّادَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ، (وَإِلَّا) يَجْهَلْ الْجَلَّادُ ذَلِكَ. (فَضَارِبٌ) يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ، كَمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا فَقَتَلَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَهُ)؛ أَيْ: الزَّائِدَ (الْعَادُّ فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ الْآمِرِ وَالضَّارِبِ؛ ضَمِنَهُ الْعَادُّ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ تَعَمُّدِهِ (أَوْ أَخْطَأَ) الْعَادُّ (وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ) بِالزِّيَادَةِ (ضَمِنَهُ الْعَادُّ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ضَارِبٍ فِي الْجَهْلِ بِذَلِكَ بِيَمِينِهِ (وَتَعَمُّدُ إمَامٍ لِزِيَادَةٍ شِبْهِ عَمْدٍ؛ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ) لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ بِخَطَئِهِ فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ آدَمِيًّا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ فِي حُكْمِهِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَلَا يُحْفَرُ لِمَرْجُومٍ وَلَوْ) كَانَ الْمَرْجُومُ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَمَّا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ فَوَاَللَّهِ مَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ؛ وَلَكِنْ قَامَ لَنَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ. نَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارٍ أَوْ (ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَحْفِرْ لِلْجُهَنِيَّةِ وَالْيَهُودِيِّينَ»، وَتُشَدُّ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا؛ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ؛ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَجِبُ فِي) إقَامَةِ (حَدِّ زِنًا حُضُورُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَ) يَجِبُ فِي حَدٍّ حُضُورُ (طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)، وَلَوْ وَاحِدًا؛ أَيْ: مَعَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}. (وَسُنَّ حُضُورُ مَنْ شَهِدَ) بِزِنًا، (وَ) سُنَّ (بَدْأَتُهُمْ)؛ أَيْ: الشُّهُودِ (بِرَجْمٍ وَأَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ مَرْجُومٍ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (كَالدَّائِرَةِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْهَرَبِ.
وَ(لَا) يُسَنُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ زِنَاهُ ثَبَتَ (بِإِقْرَارٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرُبَ، فَيُتْرَكُ) وَلَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (فَلَوْ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارٍ سُنَّ بُدَاءَةُ إمَامٍ أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ) إمَامٌ مُقَامَهُ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ: الرَّجْمُ رَجْمَانِ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ النَّاسُ، وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ. (وَمَتَى رَجَعَ مُقِرٌّ بِهِ)؛ أَيْ: بِزِنًا عَنْ إقْرَارٍ، لَمْ يُقَمْ، أَوْ رَجَعَ مُقِرٌّ (بِسَرِقَةِ شَيْءٍ أَوْ شُرْبِ) خَمْرٍ عَنْ إقْرَارِهِ (قَبْلَهُ)؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (وَلَوْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ) بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ (لَمْ يُقَمْ) عَلَيْهِ (وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ حَدٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (أَوْ هَرَبَ)؛ (تُرِكَ وُجُوبًا) لِأَنَّ مَاعِزًا هَرَبَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ») قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَمَعْمَرِ بْنِ هَزَّالٍ وَغَيْرِهِمْ. وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَكَمَا لَوْ رَجَعَتْ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (فَإِنْ تُمِّمَ) حَدٌّ عَلَى رَاجِعٍ عَنْ إقْرَارِهِ (فَلَا قَوَدَ) فِيهِ؛ لِلشُّبْهَةِ (وَضَمِنَ رَاجِعٌ) صَرِيحًا (لَا هَارِبٌ بِالدِّيَةِ) لِزَوَالِ إقْرَارِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْهَارِبِ، فَإِنْ قَالَ: رُدُّونِي لِلْحَاكِمِ، وَجَبَ رَدُّهُ، فَلَوْ لَمْ يَرُدُّوهُ حَتَّى تَمَّ الْحَدُّ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِ. (وَإِنْ ثَبَتَ) زِنًا أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ شُرْبٌ (بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْفِعْلِ)، أَيْ: فِعْلِ مَا ذَكَرَ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ (فَهَرَبَ) مَحْدُودٌ (لَمْ يُتْرَكْ) لِثُبُوتِ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ رُجُوعُهُ وَلَا هَرَبُهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ يُجَنُّ- أَحْيَانًا- بِزِنًا، وَلَمْ يُضِفْهُ لِإِفَاقَتِهِ) فَلَا حَدَّ (أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِزِنًا، وَلَمْ تُضِفْهُ) لِإِفَاقَتِهِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ؛ لِلشُّبْهَةِ. (وَمَنْ أَتَى) مَا يُوجِبُ (حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ) اسْتِحْبَابًا (وَلَمْ) يَجِبْ، وَلَمْ (يُسَنَّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ) لِحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السِّتِّيرَ». (وَمَنْ قَالَ لَحَاكِمٍ أَصَبْت حَدًّا) فَقَطْ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَصًّا، وَيُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلًا وَلَوْ بَعْدَ سُمْنَةٍ، وَكَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُون. (وَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ) الَّذِي أَوْجَبَهُ نَصًّا؛ لِلْخَبَرِ.